2011/12/31

A Separation 2011

A Separation
"الحقيقة المُرَّة، والكذب الحُلو"
تستمد السينما الإيرانية قيمتها العالية لسببين مهمين وهما أولاً أن الأفلام تعبر عن المجتمع الإيراني بشكل كبير وترسم صورة اجتماعية واضحة المعالم ملتزمة بقوانين وأعراف هذا البلد، وثانياً الالتزام ببساطة طرح القصة وعفوية الأسلوب. حيث تبتعد أغلب الأفلام الإيرانية عن الإبهار البصري وفنون الإغراء التي تعتمدها الكثير من المدارس السينمائية الأخرى. 
وهذان السببان كان لهما أثر كبير في تطور السينما الإيرانية وتقدمها حتى باتت تتنافس مع أبرز الأفلام الأوروبية والأمريكية في الكثير من المحافل السينمائية العالمية الكبيرة، وذلك رغم العزلة في إيران وصعوبة التآلف مع اللغة الفارسية المستخدمة، ولكن يبدو أن هذا يتم التغاضي عنه عند تناول السينما المميزة التي يتم تقديمها.

فيلم "الانفصال" لا يخرج عن هذه التركيبة أبداً فيقدم لنا قصة واقعية من قلب المجتمع تعبر عن انفصال زوج وزوجة عن بعضهما كما نرى في مشهد البداية حيث تطالب "سيمين" من القاضي تطليقها من زوجها "نادر"، ومثلما هو واضح فالأسباب غير مقنعة وتجعلنا نطرح تساؤلاً كبيراً حول سبب هذا الطلاق الغريب بعد زواج دام أكثر من عشر سنوات. والسبب هو أن الزوجة متحررة وهي تريد السفر إلى خارج البلد لتستطيع العيش على راحتها ولكن زوجها يرفض لأنه يريد العناية بأبيه المصاب بمرض الزهايمر. ومن هنا نستشف نقطتين مهمتين أولاهما الانتقاد الخفي لوضع المرأة في إيران والذي يجعل الكثير من النساء يرغبن بالسفر إلى الخارج، وثانياً الالتزام الكبير في العائلة حيث أن "نادر" ملتزم بالعناية بوالده الكبير في السن لأنه رباه وله عليه حقوق يجب عليه أن يؤديها، وكان من الممكن أن يضعه في دار لرعاية العجائز ولكنه يأبى ذلك انطلاقاً من شعوره ووازعه تجاه أبيه.

نأتي إلى نقطة مهمة وهي اختيار ابنتهما ذات الأحد عشر عاماً "تيرميه" العيش مع والدها والابتعاد عن أمها، ونرى من هذا تفكك العائلة بدون سبب وجيه وهذا يؤدي إلى تحطم العلاقات العائلية بشكل مؤلم، فبعد هذه الحادثة نرى التوتر حاضراً كلما اجتمع "نادر" و"سيمين" مع بعضهما وتظهر الاختلافات واضحة جلية بينهما فهما متناقضان في آرائهما بشكل كبير ودائماً يختلفان على أدق التفاصيل وأصغرها. وحتى في الشكل الخارجي يمثل "نادر" صورة الشخص الملتزم بينما "سيمين" هي مثال على التحرر وهذا ما يظهر من لون شعرها الأحمر وشكل ملابسها المختلفة عن الزي النسائي في البلد، وكل هذا يجعلنا نتساءل كيف كان "نادر" و"سيمين" زوجين لمدة عشر سنوات كاملة رغم كل هذه الاختلافات بينهما.

انفصال "سيمين" وذهابها للعيش عند أهلها يخلف شرخاً كبيراً في العائلة حيث افتقدت الابنة "تيرميه" إلى التواصل العائلي في غيابها، وحتى الجد المريض أصبح ينادي باسم "سيمين" بعد أن حرم من عنايتها به. وأصبح على "نادر" أن يعتني بالبيت وكل شيء في حياة عائلته لوحده وهذا يرينا بشاعة الانفصال وما يخلفه على العائلة من دمار واسع.

غياب "سيمين" يجعل "نادر" بحاجة إلى توظيف امرأة لتقوم بالعناية بوالده المريض أثناء غيابه في العمل، ولذلك تأتي "رازية" التي تقبل مهمة العناية بالرجل العجوز مقابل أجر صغير وذلك لتستطيع مساعدة عائلتها في المصروف وخصوصاً أن زوجها عاطل عن العمل، ومن هذا يبرز انتقاد خفي للمجتمع وارتفاع نسبة البطالة فيه وتسبب هذه البطالة في عمل النساء بدلاً من الرجال. وكل هذا دون علم الزوج أصلاً وذلك بسبب الالتزامات التي تحتم على المرأة المسلمة عدم دخول بيوت الآخرين دون علم زوجها، وهذا يوجه رسالة قوية تبين أن حاجة بعض الناس للمال اللازم لحياتهم يجعلهم يتخطون كل الحواجز المتعارف عليها في مجتمعهم أحياناً.

تتسارع الأحداث وتتوالى لنرى أنفسنا فجأة وسط قصة تحقيقات غامضة سببها اتهام "نادر" بدفع الخادمة "رازية" خارج منزله وإيقاعها على الدرج وهذا يسبب موت الجنين الذي تحمله، وهذا يضع القصة في اتجاه مغاير تماماً نختبر فيه مدى صدق أطراف النزاع فالجميع يحاول أن يراوغ في المحاكمة ليحصل على حكم في مصلحته، حتى لو كان الكذب والخداع وسيلة في ذلك أحياناً وكل شخص في القضية له دافعه حيث أن "نادر" يحاول تبرئة نفسه من التهمة لتجنب دخول السجن ودمار عائلته الصغيرة أكثر، أما "رازية" فتحاول تدعيم موقفها لصرف نظر زوجها بشكل جزئي عن عملها عند "نادر" دون علمه، أما زوج "رازية" فيطمع بمال الدية التي يجب أن يدفعها "نادر" في حال ثبوت التهمة عليه، وهذا يجعله ينسى كل الأخلاق الحميدة فيقوم بتوجيه السباب أكثر من مرة أثناء المحاكمة، وينفجر غضبه بسرعة عدة مرات أخرى. فهو يريد الحصول على المال بأي وسيلة ممكنة دون أن يكون متأكداً من التهمة الخطيرة التي يتمسك بتوجيهها لنادر، وهو يقبل أن يدمر حياة غيره لتحقيق مصلحته فقط.

وأخيراً نرى أن الخير لا زال موجوداً عند الكثيرين فـ "رازية" ترفض أن تقسم قسماً كاذباً لتثبت صدقها أمام "نادر" الذي جاء ليدفع المال لزوجها، وهذا يدل على مدى التمسك الديني والوازع الأخلاقي لديها. ولذلك هي تسبب الحرج لنفسها ولزوجها ولكن لا تقبل أن تسبب العار لنفسها بالكذب وأخذ مال حرام من الناس.

مشهد النهاية تم تركه مفتوحاً لاختيار المشاهد عندما تقرر الابنة "تيرميه" أي واحد من والديها تريد البقاء معه، وهذا يعبر عن أن غرض المخرج الأساسي من الفيلم أن يرينا التأثير المدمر للانفصال على العائلة والمجتمع بشكل عام، ولم يكن المطلوب أن يربطنا بقصة واحدة فقط. ولذلك فالقصة رغم خصوصيتها بالمجتمع الإيراني إلا أن هناك الكثير من النقاط المشتركة التي تجعل فكرة الفيلم عالمية وتحمل رسالة واضحة للجميع في أي مكان.



تقييمي: 9/10

3 التعليقات:

Unknown يقول...

اذا كلمة شكراا تكفيكك فهي لكك قليله ... اكثر ماكنت اريده هو تحليل الجزء لاخير من الفيلم .. لااريد ان ابقى متحيراا ..

ATarakji يقول...

العفو أخي أحمد، يسرني أن مراجعتي نالت إعجابك،
وشكراً لك على الرد والتشجيع.

تحياتي لك..

غير معرف يقول...

ولكن السؤال هل سرقت الخادمة المال حقاً ، وهل اهملت اجابة هذا السؤال في الفلم ؟؟؟

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم