2011/09/01

pan's Labyrinth 2006

Pan's Labyrinth
للبراءة قوة لا يمكن للأشرار تخيل مداها ..



لقد اعتدنا أن نتخيل الأفلام الفنتازية على أنها مجرد رحلة خيالية تأخذنا إلى عالم تحكمه قوانين أخرى مختلفة عن عالمنا القاسي، ولم نكن نتوقع يوماً من مثل هذه الأفلام الكثير من القيمة الفنية بل كان كل ما نتمناه أن نشاهد فيلماً يمتعنا لمدة ساعتين من الزمن ثم نخرج بعد الفيلم بابتسامة راضية عما شاهدناه. ولكن طبعاً لكل قاعدة من يشذ عنها، وعندما نتحدث عن الأفلام الفنتازية بشكل خاص فأول ما يتبادر إلى الذهن يكون سلسلة "سيد الخواتم" إلا أن كل شخص شاهد فيلم "متاهة بان" سيظل يتذكر مشاهده الرائعة التي ترسخ في الذهن بالتأكيد، ولن ينسى هذا الاسم عندما يحاول حصر أفضل الأفلام التي شاهدها في حياته.



قصة الفيلم تتفرع بشكل مثير إلى قصتين متباينتين ومختلفتين في كل شيء، فالقصة الأولى هي عن فتاة حالمة تحب قراءة الكتب الخيالية التي تمتلئ بالشخصيات الفنتازية والغريبة، وهذا ما جعل خيالها خصباً لتخيل أشياء لا تخطر على البال وتأخذ المشاهد في رحلة مميزة من الخيال. وفي الجهة المقابلة لهذه الفتاة هناك زوج أمها القاسي الذي يقود مجموعة من جنود ملك إسبانيا الديكتاتور "فرانكو" في حرب ضد الثوار الذين يسكنون الجبال.
ومن هاتين القصتين تتفرع الأحداث وتتشابك لتتشكل أمامنا لوحة غريبة فيها تناقض واضح بين العوالم الفنتازية التي يتخيلها عقل الطفلة البريء وبين قسوة القائد "فيدال" الذي لا تهتز شعرة من رأسه ولا تبدو عليه أية علامة من علامات الرحمة والإنسانية، وجنوده الذين لا يرون أي مشكلة في إعدام الناس وقتل الجرحى. ولهذا فإن الفيلم على الرغم من أنه يبدو فيلماً مناسباً لصغار العمر ولكن تصنيفه العمري جاء من فئة R بسبب العديد من المشاهد القاسية والدموية التي لا نتخيل وجودها عادة في مثل هذه النوعية من الأفلام.

حبكة الفيلم سوداوية أحياناً ومشرقة في أحيان أخرى وقد استطاع المخرج "غيليرمو ديل تورو" من المزج السينمائي بين المشاهد بطريقة تبقي المشاهدين في استمتاع دائم، حيث وضعنا المخرج في الأجواء المناسبة لكلتا القصتين، وهذا ما كان ليبدو بهذا الشكل الفريد لولا تكامل العديد من العوامل التي ساهمت في إعطاء هذا الانطباع المميز مثل طريقة التصوير التي تستخدم اللقطات الواسعة أحياناً لترينا العوالم الفنتازية أو المشاهد الحربية القتالية، وأحياناً تم استخدام اللقطات الأكثر قرباً على الوجوه لنرى تعابير الشخصيات مثل براءة الطفلة "أوفيليا" وقسوة وبطش الضابط "فيدال" وطيبة قلب ومعاناة الخادمة "ميرسيدس".
كما أن الإضاءة أخذت دوراً كبيراً في إعطاء صبغة مختلفة لكل مشهد حتى نشعر بأننا ننتقل بين العالم الخيالي إلى العالم الواقعي القاسي، وكل هذا يتزامن مع موسيقى مميزة على آلة الكمان كان لها أثر واضح في إضفاء الإثارة والمتعة على مشاهد الفيلم.

شخصيات الفيلم مكتوبة بعناية وإذا دققنا فيها نجد العديد من الشخصيات التي تعتبر شخصيات ثانوية في الفيلم ولكنها أعطت تفاصيل غنية للفيلم مثل شخصية "ميرسيدس" التي تمثل الطيبة والحنان والمعاناة في نفس الوقت. وشخصيتها كان لها دور كبير في الساعة الثانية من الفيلم حيث خرجت عن صمتها واتضحت معالم شخصيتها وقصتها بشكل أكبر. كما نرى شخصية الطبيب الذي يعتصره الألم والأسى مع رؤية آثار الوحشية التي ينتهجها الكابتن "فيدال" مع أعدائه.
أما الشخصيات الأساسية فهي متقنة بشكل كبير وخصوصاً شخصية الطفلة "أوفيليا" التي أدت دورها الممثلة Ivana Baquero ببراعة جعلها من أجمل الشخصيات الصغيرة التي تم تقديمها فهي بنظراتها الحالمة وخيالها الخصب تنقلنا إلى عالم الطفولة والحكايات الجميلة.
بينما الكابتن "فيدال" الذي أدى دوره Sergi Lopez فهو قد قدم الأداء الأروع في الفيلم ودوره هو أحد أكثر الأدوار شراً وقسوة في الأفلام الحديثة، ولو كان هذا الممثل أمريكياً لربما كان هناك احتمال كبير في ترشيحه لإحدى الجوائز الكبرى كالأوسكار والغولدن غلوب، حيث استطاع تجسيد شخصية الطاغية بكل براعة وقوة، وأعطى الدور كثيراً من الصلابة والصرامة مما جعله يبرز بشكل كبير ويطغى على كل المشاهد التي يظهر فيها بشكل قوي.

أما أبرز ما يميز الفيلم فهو الغرابة الكبيرة في الشخصيات الفنتازية حيث كانت تشبه شكل الإنسان من حيث تكوين الجسم لكنها أقرب إلى الأشجار أو الصخور، واستوحيت أشكالها من عناصر الطبيعة لتكتمل الوصفة الإبداعية للفيلم، ولكن هذا يجعل المشاهد في حيرة من أمره أمام هذه الأشكال الغريبة، فهل يستطيع أن يحب هذه المخلوقات ويتفاعل معها أو يخاف منها بسبب غرابتها الشديدة وتصرفاتها التي لا يمكن توقعها.
كما أن طريقة القصة في إعطاء مهمات لتنفذها البطلة جعل من الأحداث أكثر إثارة وتسلية، وخصوصاً عندما نرى نوعية هذه المهمات الخيالية التي تريد هذه المخلوقات الغريبة من "أوفيليا" القيام بها.

الخلاصة: فيلم "متاهة بان" عمل فنتازي يمكن وصفه بأنه تحفة بدون أي مبالغة، فهو يقدم قصة رائعة تمزج بين الخيال والواقع بشكل مبهر، مع مؤثرات بصرية مميزة، وإخراج متقن من المخرج الشهير بأفكاره الغريبة "غيليرمو ديل تورو".
وباختصار الفيلم أروع فيلم فنتازي شاهدته بعد سلسلة "سيد الخواتم" ويمكنني إعطاؤه العلامة الكاملة دون أي تفكير.

10/10



1 التعليقات:

Ahmed Mahmoud يقول...

روعة تحليلك للفيلم و القصة

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم