2011/09/22

Z 1969

Z
"التاريخ يعيد نفسه، وتستمر المؤامرة"

يشكل فيلم Z أحد أهم العلامات السينمائية في تاريخ الأفلام الفرنسية، فهو الفيلم الحائز على أوسكار أفضل فيلم أجنبي في العام 1969، كما أنه أحد أبرز الأفلام التي تميزت بها السينما الفرنسية وحركتها الواقعية، ويندرج هذا الفيلم تحت مسمى الأفلام السياسية إلا أنه لا يقدم مادته بشكل جاف بل يربط الأحداث بطريقة مثيرة ومحفزة تحرك العقل وتسهل تلقي الأفكار الضخمة التي أراد المخرج اليوناني "كوستا غافراس" التعبير عنها. ورغم تشابك قصة الفيلم وكثرة الشخصيات فيه إلا أن المخرج نجح في تبسيط الأحداث بشكل بارع ليوضح لنا جوانب المؤامرة التي شارك فيها الكثير من الشخصيات المهمة في الدولة.




قصة الفيلم ببساطة هي تحقيق حول مقتل أحد قواد حزب يساري فرنسي، وبمجرد بدء التحقيق تبدأ معه حملة شديدة لإخفاء أدلة الجريمة من قبل شخصيات مرموقة مثل رئيس الشرطة وعدد من الضباط الكبار مما يضعنا أمام واحدة من أضخم المؤامرات التي قد يؤدي كشفها إلى فضيحة كبرى. ومع سير الأحداث تتفكك الخيوط عن طريق اعتراف بعض الشهود الذين نجوا من حملة التصفية التي يشنها المتآمرون على كل من يمكن أن يهدد بكشف الحقيقة. وفعلاً كانت الأحداث محكمة بشكل رائع ومبهر والسر وراء ذلك أن الفيلم مقتبس عن رواية للكاتب "فاسيليس فاسيليكوس" وهذا يوضح تفوق النصوص المقتبسة عن النصوص الأصلية من ناحية خلوها من الأخطاء في القصة والحبكة، وكذكلك لا يمكن إنكار أن المجهود الأكبر يبقى على كاتب السيناريو والمخرج لتحويل النص الأدبي إلى نظير سينمائي مقنع.


الفيلم ناجح من الكثير من النواحي، ولكن قصته المحبوكة بشكل كبير تحتاج إلى تركيز لكي يفهم المشاهد كافة عناصر القصة وأحداثها بشكل واضح، ولكي يخفف المخرج من تعقيد السيناريو وأحداثه السريعة التي ترهق العقل قام بإدراج شخصية زوجة الناشط السياسي المقتول في وسط القصة رغم أن تأثيرها على الفيلم لم يكن مهماً. ولكن وجود هذه الشخصية والإحساس بشعورها الإنساني وحزنها على مقتل زوجها يمنح فرصة للمشاهد ليرتاح قليلاً من وطأة التعقيد وأجواء المؤامرة القذرة.

الفيلم يحمل الكثير من الأفكار الكبيرة والمهمة التي استطاع إيصالها من خلال ثنايا القصة التي نتابعها تتبلور أمامنا ببطء، ولئن كان المخرج "كوستا غافراس" يعبر عن خلفيته اليونانية وتأسفه على وضع بلده الذي عاني من انعدام الحرية الفكرية والسياسية لفترة طويلة من الزمن إلا أن قصة الفساد المطروحة نجدها في الكثير من البلدان والأنظمة ولا يمكن حصرها بنظام فاسد دون غيره، لذلك كانت قضية الفيلم يونانية الأصل فرنسية الطرح وعالمية التوجه. فهناك الكثير من الأشخاص في شتى البلدان يشاركون في مؤامرات أكبر منهم سواء كان ذلك بإرادتهم أو ضدها. فهناك من يخطط للمؤامرة ويمسك خيوطها بيده الملوثة، بينما من ينفذ الأمور على أرض الواقع هم أفراد لا دخل لهم إلا أنهم مأمورون من قبل من هم أعلى منهم نفوذا وتأثيراً.


أداء الممثلين واقعي جداً، واعتنى السيناريو بجعل الشخصيات طبيعية إلى أقصى الحدود فنرى الأشخاص في الفيلم يتبادلون المزاح بين بعضهم ويعرض الفيلم الكثير من الشخصيات فمنهم الواثق والهادئ والعصبي والطموح والغبي، وكأن الأمر تجسيد للحياة الحقيقية بكافة تفاصيلها الدقيقة. كما أن القصة التي أتت معبرة عن واقع الشعب وتاريخه تؤكد أهمية الحركة الواقعية في السينما بوصفها أداة معبرة عن الجاهير وطريقة واسعة الانتشار لإيصال الأفكار التي طالما أرقت عيون الطامحين إلى الحرية ودفع بلادهم نحو الأفضل في أي مكان في العالم..

9/10

1 التعليقات:

ATarakji يقول...

مزيداً من التوضيح ذكرت أن زوجة الناشط المقتول لم يكن الغرض منها واضحاً في الفيلم، ولكن أحد الأصدقاء نبهني إلى حقيقة هامة وهي أن هذه المرأة ترمز إلى اليونان وهو البلد الأصلي للمخرج، ولذلك عند ورود خبر إلقاء القبض على المسؤولين عن المؤامرة نجد الكثيرين يسرعون إلى الزوجة ليخبروها بالأمر، كإشارة إلى أن اليونان بدأت في تنال الحرية التي طالما تمناها شعبها..

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم