2013/06/03

The Best Offer 2013

(The Best Offer (2013 
”هل تظن بأن الشعور بالحب يمكن أن يتم تزييفه؟“

يعتبر المخرج "جوزيبي تورناتوري" من أعلام السينما العالمية، ولا يكاد يذكر اسم السينما الإيطالية إلا ويبرز اسمه كأحد أهم مخرجيها الذين مازالوا على قيد الحياة، وفيهم قدرة على العطاء وتقديم المزيد. "تورناتوري" ذلك الرجل الذي قدم لنا تحفاً مثل "سينما باراديسو" و "مالينا" غيّر جزءاً مهماً من المعادلة التي عرفناه بها في السنوات الماضية، حيث قدّم لنا هذه السنة فيلمه الثاني الناطق باللغة الإنجليزية بعد فيلم The Legend of 1900 حيث كانت بقية أفلامه السابقة إيطالية بكل تفاصيلها، بل ومغرقة بالوفاء لأجواء صقلية تحديداً بوصفها مسقط رأس "تورناتوري". ولذلك يشكل فيلمه الجديد تغيراً ملحوظاً في مسيرته وخطوة جديدة يتجه بها نحو العالمية على نطاق أوسع.


الفيلم يحكي قصة "فيرجل" وهو بائع مزاد علني مرموق، بل إنه يعتبر أحد الأفضل في مجال عمله، فهو يستطيع بكل بساطة أن يبيع تحفاً ومقتنيات أثرية وفنية يعود عمرها إلى مئات السنين مقابل ملايين الباوندات في دقائق معدودة. بالإضافة إلى خبرته الهائلة في اكتشاف القطع الفنية الأصيلة، وتمييز قيمتها الحقيقية بنظرته الواثقة. "فيرجل" هذا هو مثال الرجل الذي عاش للفن طيلة حياته، وكرّس له سنوات عمره الطويلة، لدرجة أنه لم يجد الفرصة ليتزوج أو حتى يعرف شيئاً عن الحب. بل إن كل ما يعرفه عن عالم النساء ليس سوى غرفته السرية التي يقضي فيها كل لياليه متأملاً في جدرانها المزدانة بمئات اللوحات الفنية التي جمعها طوال سنوات حياته بمساعدة صديقه القديم "بيلي" الذي يشاركه شغفه الفنّي النادر. لوحات "فيرجل" هذه تجمع بينها سمة عامة واحدة، هي أنها صور للنساء. ذلك الجنس الذي يحترمه ولكنه لم يجرؤ على الاقتراب منه يوماً.

حياة "فيرجل" تبدأ بالتغير عندما تتصل به فتاة مجهولة، وتطلب منه أن يعمل على تقييم التحف التي تملكها في منزلها تمهيداً لبيعها في المزاد. لم يكن "فيرجل" يدري أن ذهابه إلى منزل زبونته التي تدعى "كلير" سيحمل له هذه المفاجأة، حيث أن "كلير" تعاني من مرض نفسي يجعلها تختبئ معزولة خلف جدار غرفتها بعيداً عن أعين البشر جميعاً. وهذا الغموض في شخصية "كلير" أثار في قلب "فيرجل" الكثير من اللهفة للقائها. ووجد نفسه بغير شعور منه يهيم بها، دون أن يدري كيف ولماذا، لأنه لم يجرب مشاعر الحب طيلة حياته، فلم يجد أمامه سوى صديقه الميكانيكي "روبرت" الذي خبِر النساء، ولديه من الخبرة ما يمكنه من نصح "فيرجل" للمضي في علاقته التي بدأت تغير معالم حياته إلى الأبد.

قيمة الفيلم الأساسية تكمن في قدرته على خلق حالة من الإثارة النفسية تنبع من الغموض الذي يكتنف شخصية "كلير". فالفيلم ليس رومانسياً بالشكل التقليدي، بل يهدف إلى اكتشاف هذا الحب الغريب الذي نال من قلب "فيرجل" بعد أعوام طويلة من الجفاف العاطفي، حيث تمتزج هذه العاطفة المتألقة برغبة مزدادة في الكشف عن حقيقة "كلير" وإزاحة الستار عن الغموض الذي يلفها. ويطرح سؤالاً مستفزاً: " هل يمكن أن يكون الحب مزيفاً؟ " .. وهل يمكن أن يكون هذا الشعور ليس حباً أصلاً؟ والحقيقة الواضحة هي أن "فيرجل" لا يستطيع أن يجيب على هذا السؤال الذي هزّ كيانه، وأفقده صرامته وقسوة قلبه، ليحل مكانها إنسان رقيق هشّ لا يعرف في أي درب يسير.

الفيلم يقدم لمشاهديه مجموعة من المشاعر المتباينة، فهو يقدم بسلاسة شديدة مزيجاً من الدراما والإثارة التي تلعب سايكولوجيا العقل والعواطف جانباً هاماً منها. ويعطينا جانباً من الحب الخارج عما ألفناه في أفلام الرومانس العادية. العمل يقدم الحب بجانبه الإنساني الذي يلمس أضعف جزء في نفسية البشر، ويرغمهم على التخلي عن أي شيء في شخصياتهم في سبيله.

أذهلني في الفيلم الدور الذي قام به الممثل الأوسكاري "جيفري راش" الذي استطاع تقديم شخصية رائعة تتحول بشكل ملحوظ على مدار الفيلم، يتفوق بها "جيفري" على كل ما قدمه في سنواته الأخيرة، بما في ذلك أداؤه في فيلم "خطاب الملك" الذي منحه ترشيحاً للأوسكار عن فئة الممثل الثانوي في 2011. وباختصار شديد يمكن القول إن فيلم The Best Offer هو فيلم "جيفري راش" بامتياز، وهو العنصر الأبرز فيه. أما باقي الممثلين فقد أعطوا أداء مميزاً، وقدموا واجبهم بشكل جيد بدءاً بـ "جيم سترجيس" في دور "روبرت".. و"دونالد سذرلاند" في دور "بيلي".. وانتهاء بالوجه الأنثوي "سيلفيا هويكس" التي أدت دور الفتاة الجميلة "كلير". كما لا بد لي أن أثني على العمل الرائع الذي قدمه الملحن الشهير "إينيو موريكوني" في موسيقى الفيلم التي ساهمت بشكل كبير في صنع أجواء الفيلم الآسرة. ولا أنسى التصوير البديع الذي انتقل بنا بين مدينتي "روما" و"براغ" وظهر تميزه الشديد في تصوير المشاهد الداخلية الواسعة.

يبقى لي أخيراً أن أذكر الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعتبره البعض سلبية في الفيلم ألا وهو النهاية المثيرة للجدل التي لم تقنع العديدين، ولكن بالنسبة لي أرى أن هذه النهاية كانت قابلة للتصديق رغم غرابتها والصدمة التي تولدها عندما تغير منحى الفيلم بشكل كلي. وأعتقد أن هذه النهاية أفقدت الفيلم عدداً من معجبيه الذين كانوا يتوقعون نهاية أكثر بساطة، ولكنها ترقى بالعمل ليكون فيلماً فنياً نادراً يهز داخلك، ويجعلك تفكر في معانيه الكثيرة بشكل أعمق. وبهذه النهاية يمكن أن تتيقن أن العمل من إنجاز مخرج كبير لا يخشى أن يسحب البساط من تحت أقدام مشاهديه في اللحظات الأخيرة بعد أن سحب أنفاسهم لمدة ساعتين مليئتين بعشق الفن الأصيل، والرغبة البشرية الأبدية في اكتشاف حقيقة تلك العاطفة الغريبة التي تسمى بالحب. وبالتأكيد يمكنني القول إن الفيلم هو "العرض الأفضل" الذي قدمه لنا موسم 2013 حتى الآن..


تقييمي الشخصي: 9\10
Imdb || RT
موسيقى الفيلم: http://www.youtube.com/watch?v=bYCslLRu6As

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

this film is a big Ouch!!!

.........

''Emotions are like work of art. They can be forged they seem just like the original but they are forgery. Everything can be fake: joy, pain, hate, illness, recovery... even love. ''

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم