2011/11/12

Trust 2010

Trust
"لا تبكِ إلا على الأمور التي تستحق"

 عائلتنا هي الشيء الأهم في حياتنا، وربما تكون أقسى المشاكل التي نعاني منها هي التي تدور في فلك العائلة. ولكن حين تمس مشكلة عظيمة أحد أفراد العائلة وتغير حياته للأبد فلا بد أن يشترك كل الأفراد في تأمين الجو المناسب لإصلاح الأذى الذي حصل قبل أن تتدمر الحياة إلى الأبد. ولذلك كان هذا الفيلم حاملاً لرسالة سامية لا بد أن تترسخ في أذهان الجميع. بالإضافة إلى قيم ومعايير أخرى يطرحها الفيلم بجرأة ومصداقية تجعل من مشاهدة هذا الفيلم فائدة فكرية خالصة تمت صياغتها ضمن قالب درامي مؤثر.
تدور قصة الفيلم حول فتاة مراهقة اسمها "آني" تتعرض لخدعة كبيرة عبر محادثة على الإنترنت مما يجعلها ضحية لاستغلال من قبل رجل أكبر سناً منها بكثير، وهذا يؤدي في النهاية إلى الاعتداء عليها للأسف. ثم نرى انعكاس هذا الحادث المؤلم على حياة "آني" وعائلتها الصغيرة. والأسوأ من هذا هو الصراع النفسي الداخلي عند هذه الفتاة البريئة فهي تقع فريسة حبها الحقيقي الساذج لصديق المحادثة الذي اعتدى عليها، ولذلك فهي لا ترى حجم المشكلة التي وقعت فيها، بل على العكس ترى أن أهلها يحاولون التدخل في حياتها الخاصة ليفسدوها. ولكن عندما تتضح لها خيوط الخدعة التي حاكها هذا الرجل المجرم المخادع فإنها تهوي في بحر من خيبة الأمل واليأس من هذه الحياة، وهذا ما يلقي بالحمل الأكبر على عاتق عائلتها التي يكون عليها أن تعيد لابنتهم الحبيبة شيئاً من ثقتها المفقودة.

معالجة القصة الدرامية مؤثرة بحق، والفضل في ذلك يعود إلى التمثيل الرائع من الفتاة "ليانا ليبراتو" التي جمعت ملامح الفتاة الجميلة مع طيبة قلبها الواضحة وسذاجتها في تقدير حجم المصيبة التي خاضتها، وبأدائها المعبر استطاعت اعتصار القلوب بعاطفتها الصادقة وبراءتها المميزة. كما لا يجب أن ننسى أداء باقي الممثلين وأخص بالذكر "كلايف أوين" الذي قدم أحد أفضل أدواره في دور والد "آني" الذي جرحته مشكلة ابنته في الصميم حتى أصبح كل همه إصلاح حياة ابنته التي تتجه نحو عاقبة أليمة. 


ما يهمني في الموضوع هو القيمة الفكرية للفيلم حيث يرينا مدى حب كل فرد من أفراد العائلة نحو هذه الفتاة البريئة، فالأب لا يهدأ له بال حتى تصل يد العدالة إلى الوغد الذي فعل هذا بابنته، والأم بعاطفتها الملتهبة تحاول احتواء ابنتها بكل ما تملك من الحب والحنان. أما الأخ الشاب فيحاول أن يلاطف أخته ويشعرها بوقوفه إلى جانبها، ولكن المشكلة هي شخصية الفتاة التي تتنازعها البساطة والاقتناع الساذج بأن الرجل الذي فعل جريمته بها يحبها بحق، وهذا يجعلها لا تحس بحب عائلتها والتفافهم حولها لإعطائها الدعم اللازم لتخطي مشكلتها، كما نرى في الفيلم مشكلة التواصل العائلي الذي قد يكون السبب وراء ألم كبير دون أن يشعر بذلك أحد إذا ما استخدم بطريقة خاطئة تجرح المشاعر بدون قصد.

النقطة الأخرى التي يجب أن أتحدث عنها هي الرسالة القيمة التي يقدمها الفيلم بالتحذير من الانزلاق وراء العلاقات المشبوهة التي لا يمكن للأهل أن يراقبوها على الدوام، وربما يكون من مصائب هذا الزمن أن وسائل الاتصالات متاحة وممكنة أمام المراهقين الذين قد يقعون فريسة سهلة لذئاب من البشر لا يعرفون معنى الرحمة أو الشفقة عندما يرضون غرائزهم الدنيئة ولو كان ثمن ذلك هو تدمير حياة أشخاص بريئين وتعريض حياتهم وعائلاتهم للانحدار والضياع.

قضايا مهمة للغاية يطرحها العمل، والعجيب في الأمر هو الاستقبال الجماهيري الباهت الذي لقيه الفيلم في أمريكا. وهذا يرينا مدى التفاهة التي وصل إليها المجتمع الأمريكي، فعندما يتعلق الأمر بفيلم عن روبوتات آلية تتقاتل وتتطاير منها الشرارات أو سيارات يقودها سائقون مجانين بسرعة أو أفلام رعب تافهة ولكنها تعج بالفتيات الجميلات تجد الجماهير تندفع بأعداد هائلة للمشاهدة، أما عندما يتعلق الأمر بقصة مفيدة وعبرة اجتماعية مؤثرة وكأنهم يقولون لك ضمنياً بطريقة غبية: "عذراً هذا لا يناسبنا". وهذا بسبب تفكك العائلات عندهم بسبب الكثير من العلاقات الاجتماعية الفاسدة التي غرق فيها مجتمعهم الذي يتجه نحو الأسوأ من ناحية الأخلاق والقيم.

أخطاء الفيلم وقصوره في المعالجة أحياناً يمكن التغاضي عنها بسهولة بالنظر إلى القيمة العالية التي يطرحها الفيلم، ولا يعيب الفيلم إلا بعض الحوارات التي لم تكن على مستوى كافٍ لمعالجة هذه القضية الكبيرة التي نراها، كما كان يمكن للنهاية أن تكون بشكل أكثر قوة، ولكن كخطوة جريئة من المخرج "دايفيد شويمر" - بطل مسلسل Friends - يمكنني تقييم الفيلم بدرجة عالية لأن الإيجابيات المطروحة تفوق سلبيات الفيلم بكثير. كما أن اللحظات الدرامية المؤثرة التي تطغى عليها مشاعر سامية وحقيقية جعلتني أخرج من الفيلم بانطباع رائع وخصوصاً مشهد النهاية المؤثر الذي يجعل القلب ينبض بمزيج فريد من الحب والحزن. وبالرغم من أن هذا الفيلم لا يناسب المشاهدة العائلية كثيراً، إلا أن كل شخص في العائلة يمكن أن يرى هذا الفيلم ويخرج منه بفائدة وعبرة تفوق الكثير من أفلام هوليوود التي تدفع العلاقات الاجتماعية والأسرية نحو الهاوية، وتنكر كل ما له علاقة ببناء مجتمع سليم قويم..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم