2011/11/26

L'enfant (The Child) 2005

L'enfant
"فيلم يقتبس الحياة بحلوها ومرها" 

فيلم "الطفل" من الأفلام البسيطة جداً، ولكني أعتقد أنه يروق لفئة محددة من المشاهدين فقط رغم كل هذه البساطة، وذلك لأن الفيلم يبتعد في طريقة طرحه وتعامله مع القصة عن كل ما تعودنا عليه من إبهار بصري وتقني، وموسيقى تغرق الكثير من مشاهد العمل. بل على العكس فالفيلم من شدة بساطته ربما يبدو غريباً للذين لم يتعودوا على طريقة الأفلام الأوروبية في عرض قصة ما بطريقة عفوية وواقعية وتنأى عن التجارية لأبعد الحدود.


يعرض الفيلم قصة شاب شبه متشرد اسمه "برونو" وصديقته الشابة "سونيا" التي تنجب أول طفل مشترك بينهما، ومن أول نظرة نلقيها على الشاب نلاحظ قلة مبالاته بهذه الحادثة التي لا يفترض أن تمر بهذه الطريقة. ويترسخ هذا الانطباع من خلال تصرفاته التي تتصف بالعفوية والتسرع واللهو. والخلاصة أنه شاب يعيش اللحظة ولا يبالي بأي قدر من المسؤولية الملقاة على عاتقه. فهو مثلاً يشتري لصديقته سترة ثمنها كل ما يملك من نقود بمجرد أنها تماثل السترة التي يلبسها هو، ومن هذا المشهد بالذات نرى الطريقة التي يعيش بها "برونو" حياته الطائشة المتحررة من أي قيود. وبالتالي فعندما يقوم بفعلة شنيعة وهي ببيع المولود الجديد للتبني فذلك لا يشكل صدمة كبيرة، ولكن يظهر من هذا التصرف مدى الغباء وقلة المبالاة التي يمكن أن يصل لها إنسان مثله عاش حياته كلها بدون أي شعور بالمسؤولية.

بحدوث هذه الحادثة تتغير كل مجريات الفيلم، فتتحول حياة "برونو" إلى جحيم وذلك بسبب مشاجرته مع صديقته، وتورطه مع العصابة التي اشترت الطفل منه، وأخيراً ملاحقة الشرطة له. وهذا كان السبب لنرى بقية أسرار حياته مثل اعتماده على السرقة في اكتساب نقوده، وطلبه المساعدة من فتى صغير في العمر برغم ما ينطوي عليه هذا من إهانة لنفسه التي لم يتعود على إعطائها أي مسؤولية أو تقدير، ليعود بعد ذلك ليحاول إصلاح أخطائه العديدة التي بدرت منه دون أن يفكر في نتائجها أبداً.

الفيلم يتميز بطرح عدة أفكار مهمة لعل أبرزها فكرة القدرة على تغيير عقلية إنسان بسبب قسوة الحياة حين الوقوع في مشكلات عصيبة، ونرى تحول الشاب "برونو" من شخص في قمة الإهمال واللاوعي إلى رجل أنضج وأعقل وذلك لمحاولة الخروج من مشاكله التي تسبب بها بنفسه. وبالتالي فشخصية "برونو" التي طرحها الإخوة "دارادين" في هذا الفيلم واحدة من أكثر الشخصيات واقعية وعفوية، فأي إنسان لا بد أنه وقع في موقف حرج مثل هذا وهناك مواقف كثيرة تستطيع تغيير حياة بأكملها، ولذلك لا أرى وصفاً أكثر انطباقاً على الفيلم من أنه "يقتبس الحياة بحلوها ومرها" بعفوية وصدق كبيرين.

هناك الكثير من العوامل التي ساعدت على جعل الفيلم يتميز بواقعية شديدة لعل أبرزها خلو الفيلم من أي موسيقا تصويرية، ودائماً ما نسمع نقاشاً حول مهمة الموسيقا في رفع مستوى الفيلم، ولكن الإخوة "داردين" أرادا أن يبدو الفيلم بسيطاً كما هي الحياة اليومية، وقاسياً بدون أي تجميل، ومؤلماً كأي صعوبة يمكن أن نواجهها في أمامنا. كما أن أداء الممثلين الأساسيين كان طبيعياً جداً، ويمكن الإحساس برشاقة التصوير الذي نشعر معه كأننا لا نرى فيلماً بل نعايش حالة حقيقية أمامنا.

مشهد نهاية الفيلم كانت مميزاً بحق عندما نرى "برونو" يضع رأسه على رأس صديقته "سونيا" ويبكي، وهذا المشهد يلخص كل الفيلم على الرغم من أننا لم نفهم كيف تصالح "برونو" و"سونيا" مرة أخرى، ولكن هذه النهاية تؤكد أن الحياة مؤلمة وقاسية أحياناً لذلك فنحن بحاجة إلى قدر من المسؤولية والحب والاهتمام، وأخيراً الكثير من المسامحة والعفو عن أخطاء الآخرين حتى تستمر الحياة بشكل سليم.
 

وختاماً يمكنني القول أن الفيلم مؤلم وحزين ولكن بعض الأفلام ترينا الأشياء المحزنة من جهة واحدة فيحس المشاهد بعد انتهاء الفيلم بالاكتئاب، أما فيلم "الطفل" فيعرض الألم والحزن بطريقة غنية تجعل الفيلم يقتبس حياة كاملة خلال لقطات سريعة ولكنها ترسخ هذه المعاني مع كثير من الإيمان والحب في النهاية، لأن الحياة كذلك بكل بساطة. قاسية ومؤلمة ولكننا نحبها ونؤمن بوجود الأفضل فيها دائماً.




تقييمي الشخصي : 9\10



0 التعليقات:

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم