2012/01/31

The Help 2011

The Help
"التغيير يبدأ بهمسة"


يتعامل فيلم "المساعدة" مع مشكلة لطالما تناولتها الأفلام سابقاً، ألا وهي العنصرية في أمريكا والتي يمارسها بيض البشرة على السود بأبشع الأشكال حتى قاموا بوضع حدود فاصلة وهمية تقيد حقوق السود وتمنعهم من الحياة حياة كريمة كأي إنسان حر. وفي جنوب أمريكا بالذات كانت المشكلة العنصرية متفشية بشكل أكبر، وعلى الرغم من ذلك فإن التعايش كان حاضراً بقوة بين البيض والسود، وهناك تآلف بينهم في الحياة اليومية رغم الفروقات العنصرية التي كانت تمنعهم من التعامل فيما بينهم بشكل سليم. ولكن الميزة الأهم كانت أن الجنوبيين مثقفون أكثر من سكان الشمال، وبالتالي كان من المقبول أن تنشأ أولى بذور التحرر العنصري ونبذ الطبقية في الجنوب، لأن كل مثقف وعاقل سيرى الحقيقة الواضحة وهي أن الفصل العرقي ليست مجرد جريمة بل هي وهم كبير وقع ضحيته الكثيرون.


يقتبس المخرج وكاتب السيناريو Tate Taylor رواية شهيرة لها قراؤها الأوفياء وعشاقها في كل مكان، ويبقى وفياً لكل ما جاء فيها فيصور أجواء عقد الستينات الذي امتلأ بالعنصرية بكافة الأشكال، فنرى السود يعملون مجرد خدم عند البيض بينما تطل من أعينهم الاعتراضات الصامتة التي لا تجد طريقاً للخروج إلى أفواههم لترجمتها إلى شكوى عالية. وبدلاً من ذلك يكتفون بعمل أصعب المهام، ولعل أسهلها تربية أطفال البيض الذين ارتبطوا بمربياتهم السود أكثر من أمهاتهم الحقيقيات اللواتي لا يجدن وقتاً للاعتناء بهم لأنهن مشغولات بالحفلات الراقية ونوادي التسلية والمرح مع الصديقات.

الشخصية الرئيسية في الفيلم هي الخادمة السوداء "إيبلين" التي تعمل خادمة ومربية للأطفال في أحد منازل البيض، وصديقتها "ميني" هي طباخة ومديرة منزل أيضاً، ولكنها تمتاز عن صديقتها بأنها تمتلك شخصية أقوى وأكثر جرأة واندفاعاً، وهذا يجعلها تقع في المشاكل رغم طيبة قلبها الشديدة.

وتتجلى العنصرية الشديدة في تصرفات النساء البيض اللواتي يعاملن الخادمات السود كأنهن عبيد عندهم، ولا يعترفون بأي حق من حقوقهم، ولعل أصغر هذه الحقوق هي استخدام الحمامات في بيوت البيض، وهذا ما يعتبر بالنسبة لهم جريمة كبيرة. وقد مضى بنا الفيلم إلى نوع أخف قليلاً من العنصرية وهو الفروقات الطبقية فنرى شخصية "سيليا" المرأة البيضاء التي تنظر لها بقية النساء نظرة ازدراء ويعتبرونها أقل طبقة منهم. ولذلك عندما تعمل الخادمة "ميني" في بيتها ينشأ بينهما صداقة جميلة تتخطى الفروقات العنصرية والطبقية وتؤكد أن التعايش بين السود والبيض ممكن وليس شيئاً مستحيلاً، وتعيد الإنسان ليكون عوناً لأخيه الإنسان ويمنحه طعم الحب والحياة.

وتبقى إحدى أهم الشخصيات في الفيلم هي "سكيتر" الكاتبة الصحفية البيضاء التي تتميز بعقلها الناضج وحبها للحياة من حولها دون قيود أو حواجز بينها وبين الناس، وبينما كانت تأخذ بعض النصائح من الخادمة السوداء "إيبلين" حول الأعمال المنزلية البسيطة فتخطر على بالها فكرة كتابة كتاب جريء يجمع فيه مقابلات مع بعض الخادمات الزنجيات اللواتي يحكين فيها قصصاً من الحياة اليومية تعبر عن المعاناة العرقية والعنصرية التي يعيشونها. ومن أهم مميزات "سكيتر" أنها استطاعت جمع عناصر الفيلم مع بعضها، فهي صلة الوصل بين النساء البيض بالمغرورات والعنصريات، وبين الخادمات السود المظلومات. حتى أنها استطاعت أحياناً بشخصيتها المرحة إعطاء لمسة كوميدية محببة للفيلم.

السلبية الصغيرة في الفيلم كانت طول مدته الكبيرة والناتجة عن بعض الحشو والزيادة غير الضرورية في القصة، ولكن سبب هذا كان اضطرار Tate Taylor إلى اقتباس القصة الأصلية من الكتاب دون حذف شيء منها، وإلا سيغضب محبو الرواية من غياب بعض العناصر والشخصيات الموجودة في الكتاب، ولكن وجودها في الفيلم لم يكن لها داعٍ، ولعل أهمها شخصية الشاب الذي تتعرف عليه "سكيتر" إلا أن شخصيته بدت ضعيفة في الفيلم ولم تقدم الغرض المطلوب منها بسبب نقص معالجتها بشكل واضح، ومن هذا نجد أن الرواية أعطت الفيلم خلفية محكمة وغنية بالتفاصيل الدقيقة، ولكنها قيدت نص الفيلم السينمائي بالعديد من العناصر التي أضعفته قليلاً ولكن جمالية القصة غطت على كل السلبيات.

وأخيراً أرى أن الفيلم هو أفضل الأفلام التي ظهرت في صيف الموسم السينمائي 2011، وقد تمكن المخرج Tate Taylor من قيادة طاقم قوي ومميز لصنع قصة درامية مؤثرة جميلة تملؤها البسمات والدمعات، وتشكل صرخة في وجه العنصرية والطبقية بطريقة قوية وممتعة، وتقدم تحية كبيرة لكل من يريد أن يقول بجرأة :"أنا حر".

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم