2012/05/12

The Woman in Black 2012

The Woman in Black
"نحن أخذنا ابنها، والآن جاء دورها لتأخذنا"


عندما نتحدث عن أفلام الرعب الحديثة لا يمكننا أن نتكلم بثقة عن القيمة الفنية، وذلك نتيجة دخول أعداد هائلة من المخرجين المبتدئين في هذا العالم الكبير ليجربوا مهاراتهم المتواضعة التي تفتقر إلى خبرة في تقديم المادة الفنية، ونتج عن ذلك إغراق الساحة السينمائية بمئات من الأعمال التافهة التي أساءت لهذا الفن بشكل كبير. ولذلك كان علينا في كل عام أن ننتظر طفرة في عالم الرعب تتمثل في عمل أو اثنين فقط لتعيد إلينا أيام الزمن الجميل عندما كانت بقية الأصناف السينمائية تنحني أمام قوة وتأثير الرعب الأصيل.


طفرة هذا العام كانت فيلم "المرأة المتشحة بالسواد" وقد أخرج العمل اسم واعد في سينما الرعب هو "جيمس واتكينز" الذي قدم لنا سابقاً عمله The Eden Lake ويعود إلينا الآن مرة أخرى ليثبت أن مستواه في تحسن مستمر وأنه قادم بقوة ليكون اسماً منتظراً في أعماله المقبلة. يقدم "واتكينز" خلطة سينمائية مميزة تمتزج فيها أجواء العصر الفيكتوري بكل هيبته وأسطوريته مع الكثير من الملامح القوطية التي تجلت في معالم الريف الإنجليزي وطبيعة البلدات النائية بطبيعتها المميزة ومنازلها المعتمة وديكوراتها المليئة بالسواد والقتامة، وسكانها البسطاء الذين يشوبهم رقي من نوع خاص لا نجده إلا في إنجلترا.

الفيلم يحكي قصة الوكيل الشاب "آرثر كيبز" الذي ترسله شركته الجديدة إلى إحدى البلدات البعيدة في شمال إنجلترا ليبحث عن وصية مختفية لامرأة توفيت حديثاً من سكان هذه البلدة، ومنذ وصول "كيبز" إلى هناك تبدأ الأجواء الكئيبة في أخذ دور كبير في مجريات الفيلم، ونفهم بطريقة "الفلاش باك" الشهيرة دوافع "كيبز" من وراء القبول بهذه المهمة الكئيبة.

العمل يدور حول الأجواء أكثر من الشخصيات، ولا يهتم بالبناء الدرامي التقليدي للشخصية بقدر ما يعزز ثيمات الرعب الممتزجة بأفكار إنسانية عديدة، لعل أهمها مشاعر الفقد الأليم عند رحيل أحد الأحباب أو الأقرباء. وإذا لاحظنا فإن ألم الفقد كان أكثر وتر لعب عليه الفيلم حيث نرى الشاب "كيبز" تدفعه ذكريات فقدان زوجته الشابة لتأمين عمل محترم له وليعوض طفله ذي السنوات الأربع عن رحيل والدته المتوفاة أثناء ولادته، كما نرى المستضيف "سام" وزوجته التي يدفعها الجنون بسبب فقد ابنهما، أما الأهم فهو فقدان المرأة المخيفة لابنها عندما غرق في المستنقع، ولذلك هي تعاقب جميع سكان البلدة بالمثل، فتجعلهم يعانون من فقدان أبنائهم وأحبابهم واحداً تلو الآخر.

ولا شك بأن العمل قد نجح في صنع شخصية قوية لهذه المرأة السوداء وجعل منها كياناً مرعباً لكل سكان البلدة معيداً لنا بذلك ثيمات من أفلام رعب شهيرة مثل "دراكولا" الذي كان مجرد ذكر اسمه يحرك الذعر في نفوس المحليين. وأعطى المخرج قوة إضافية لهذه الشخصية باختيار ضحاياها من الأطفال، يصور لنا براءتهم وجمالهم في البداية ليعبر لنا عن مدى قسوة التي تكمن في انتزاع الحياة من هذه المخلوقات الملائكية.

الفيلم سعى بشكل كبير إلى التركيز على الأجواء فتجلى ذلك في الديكورات المتقنة ومعالم الريف الإنجليزي الذي يغلفه ضباب رمادي كئيب، ويمزج ذلك بموسيقى ممتازة تتكامل مع مؤثرات صوتية أعطت الفيلم إثارة كبيرة في مشاهده المرعبة. كما ركز المخرج على صنع الإثارة في أشياء صغيرة كان لها تأثير مميز، مثل الأشباح التي تتحرك في خلفية المشاهد، والحركات الفجائية التي نُفذت بطريقة احترافية تجعلنا نستمتع بها رغم أن أغلبها هي طرق تم استعمالها من قبل في أفلام الرعب.

الأداء التمثيلي كان في المستوى وأعجبني أداء "دانييل رادكليف" الذي أعطى أداء يتفوق على ما كنت أتوقعه منه، ويمكنني أن أشير هنا أن مشاركته في أفلام "هاري بوتر" على مدى أكثر من عشر سنوات قد عززت من طريقة تفاعله مع أجواء فنتازية وأحداث غريبة مثل التي قدمها هذا العمل، وكان اختياره موفقاً لهذا الفيلم الذي خرج فيه من عباءة الساحر الشهير. ولكن المأخذ الوحيد هو أن "دانييل رادكليف" لا توحي ملامح وجهه الشابة بأنه أب لطفل عمره أربع سنوات كدوره في الفيلم، وربما كان هذا عاملاً بسيطاً يقلل من الاقتناع بالشخصية، ولكن هذا لا يسيء للفيلم إذا ما سلمنا بهذا الأمر منذ البداية.
ومن أبرز الأداءات في الفيلم أيضاً "جانت مكتير" بدورها الثانوي الذي جسدت فيه جنوناً مرعباً بسبب فقدها ابنها الصغير. كما كان تمثيل الشخصيات الثانوية عموماً في المستوى ومقنعاً بشكل كبير.

وبالتأكيد فقد طرح الفيلم أمامنا جملة من المشاهد المتميزة، وصوراً تترك أثرها في المشاهدين بدءاً بصورة المنزل المخيف الذي يقود إليه الطريق الضبابي الكئيب وأروقته الداخلية وصالاته وغرفه بكل الأحداث المخيفة التي تحصل فيها، ثم يأتي المشهد المظلم لاستخراج الطفل من المستنقع الأسود، ونهاية بمشهد الختام المعبر الذي لن أفسده هنا على مَن لم يشاهد الفيلم، ولكن يمكنني القول أن المخرج نجح في خداعنا به للحظات، إلا أنه وبسرعة يرسم على الوجوه بسمة صغيرة تنقلنا أخيراً من السواد إلى الضياء بمشهد سيبقى في ذاكرة كل من شاهد هذا العمل.

وكخلاصة يمكنني القول أن هذا الفيلم يعتبر من أفضل أفلام الرعب التي ظهرت على الساحة السينمائية مؤخراً منذ الزوبعة التي أثارها فيلم Insidious في العام الماضي. ويتقن المخرج "جيمس واتكينز" هنا صنع الأجواء المناسبة لعمل جيد يعتبر خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح، ويؤكد لنا أنه ما زال هناك شيء ننتظره من فن الرعب الحديث.


تقييمي الشخصي: 8\10

1 التعليقات:

Lunatic Thought يقول...

كفيلم رعب 10\10 وبشكل عام 9\10 ..
من افضل افلام الرعب الحديث حقيقه..
عمل مميز ..

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم