2012/05/04

Last Year at Marienbad 1961

Last Year at Marienbad
" فيلم شاعري بلمسة آلان رينيه"



عند ذكر اسم المخرج الفرنسي "آلان رينيه" لا بد أن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو رائعته Hiroshima Mon Amour، ولكن فيلم "العام الماضي في مارينباد" لا يقل في المستوى عن هذه التحفة أبداً، بل لعله كان أكثر شاعرية، ومغرقاً بطريقته الحالمة التي تجعل المشاهد يغوص في جنبات هذا الحلم الجميل، ويتابع باستغراق كل ما ترسمه كاميرا "رينيه" ومونتاجه وموسيقاه وظلاله بطريقة تخاطب القلب قبل أن تمنح العقل أي فرصة للتفكير.


يفرض "رينيه" منذ بداية الفيلم أجواءه الخاصة عن طريق عبارات نصه التي تشبه الشعر، وحركات كاميرته التي تجول بنا في أرجاء الفندق الكبير الشبيه بالقصر في "مارينباد" مع خلفية موسيقية تغطي أغلبها آلة الأرغن الكنسي، ونرى جملة من الصور الثابتة بكل ما فيها. الأشخاص ثابتون في أماكنهم بدون حركة بينما نتحرك بين المشاهد بخفة ورشاقة وكأنما أوقف "رينيه" أبعاد الزمن وأدخلنا في حلم خاص لا يخضع لأي تفسير إلا ما يرغب هو بإقناعنا به.

تفاصيل  الحلم تدور حول رجل وامرأة ، لم يهتم "رينيه" بتعريفنا بأسمائهما ليزيدنا إثباتاً بأنه يطرح كل شيء من أجل الفكرة وليس الشخصية، وجل اهتمامه يتجه لجعلنا نهيم في ثنايا قصة الحب الغامضة التي تدور بين هاتين الشخصيتين.
تبدو المرأة مترددة ومضطربة، على عكس رجلها الذي يظهر واثقاً من كلامه وهو يروي تفاصيل كل ما حصل بينهما طيلة عام كامل، كان مليئاً بالحب الغامض الذي يطل مع كل التفاتة يلتفتها أشخاص الرواية.

المرأة لا زالت غير مصدقة لما يجري، مع أنها من داخلها معجبة بذلك، وهذا في ظل طباع زوجها الجامدة الذي لا يعيرها الكثير من الاهتمام أو يغمرها بمشاعره كما يفعل هذا الرجل الذي ظهر في حياتها فجأة ليخطف الأضواء إليه. نرى زوجها مهتماً بإثبات تفوقه على الآخرين حتى ولو كان ذلك باستخدام لعبة بسيطة لا معنى لها يلعبها مع أصدقائه ويتحدى ذكاءهم بها، وليس له غاية إلا ليثبت أنه الأقوى والأذكى والأجدر بالفوز بكل شيء.
يأتي الرجل المحب الغامض ليسرق الزوجة من زوجها، وينازل هذا الرجل بلعبة الذكاء ذاتها، ولكنه يفشل بشكل غير مستغرب،
ويؤكد لنا "آلان رينيه" من خلال ذلك أن هذا الدهاء ليس كل شيء فهناك حديث القلب والنظرات والعواطف التي لا يفهمها هذا الزوج متجمد المشاعر.

تستمر الحكاية ونجوب أرجاء قصر "مارينباد" الواسع، ونسرح في أرجاء حديقته مع المحبَّين اللذين يحاولان فهم ما يجري،
على أمل الانتقال إلى المرحلة التالية وهي الهروب من الزوج والرحيل بعيداً إلى الأبد، وهذه الخطوة هي الأصعب على الزوجة بلا شك، ولذلك تبقى مترددة ومحتارة في أمرها هل ترضي عقلها أم قلبها ؟!

الرجل المحب لا يتركها تسترسل في خواطرها بل يملي عليها كل ما يرغب فيه بطريقته المقنعة، يقص على أسماعها أحداث عامهما الماضي الحافل بالأحداث بل إنه يتحدى زوجها مرة أخرى في لعبته السخيفة، ولكنه يخسر للمرة الثانية.
نعم، هو خاسر في لعبة العقل، ولكن قلبه مازال قادراً على الإقناع، ومنح الحب إلى الأبد، وبالتالي هو الرابح الأكبر رغم كل شيء.

لا شك لدي بعد إنهاء مشاهدتي أن هذا الفيلم يعكس نمطاً مميزاً يندر تواجده عند مخرج غير "آلان رينيه" ولذلك أكاد أجزم أن هناك عدداً جيداً من أعمال هذا المخرج الرائع مازال مختفياً في ظلال أفلام كلاسيكية أشهر منه، ولكن كل عمل له يستحق عناء البحث والمشاهدة بكل تأكيد.

وكخلاصة أخيرة للفيلم يمكن القول أن "آلان رينيه" يدور بنا بقصته البديعة في أرجاء قصر "مارينباد" ويطوف بنا بين ممراته وجدرانه، ليقدم لنا قصة رومانسية رقيقة حالمة، بأجواء غامضة أحياناً ولكنها تكاد تنطق لتفسر نفسها، هذا فيلم شاعري بالدرجة الأولى والأخيرة ولو شاهده أي شخص لقال شعراً من أجمل ما نطقت شفاه على ترانيم هذه التحفة العظيمة.

يستحق العلامة الكاملة : 10 \10

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم