2012/05/06

The Man who will come 2009

The Man who will come
"براءة الطفولة ضاعت في جنون الكبار"

قصيدة معبرة صاغها المخرج الإيطالي "جورجيو ديريتي" منطلقاً من نظرة الطفلة الصغيرة "مارتينا" التي حرمها فقدان أخيها الوليد قدرتها على الكلام، ولكن كيف بها وهي ترى كل أهوال الحرب التي تلقي بظلالها الرخيمة على بلادها، ليكون الأناس البسطاء هم وقود نزاع ثلاثي الأطراف يتناوب عليه المعتدي النازي، والظالم الفاشي، ولا يقف في وجه كليهما إلا مجموعة بسيطة من الثوار الذين حاولوا ما استطاعوا أن يردوا الظلم عن بلادهم ليعيشوا أخيراً في حرية وسلام.


البيئة الريفية في الفيلم مثيرة للإعجاب، ونجح المخرج بتحويل كل عناصر الريف الإيطالي إلى واقع، بما في ذلك شخصيات الناس البسطاء الذين يغلب عليهم الجهل، وربما كان الجهل هو أكبر خطيئة في هذا الزمان، ولا شك بأن الحهلة هم الذين يدفعون ثمن آثام رجال الحرب والسياسة الذين لا يكترثون بحجم الدمار الذي يخلفونه، والرعب والقتل الذي ينشرونه، ومن نظرتي الشخصية أرى أن عنوان الفيلم كان غامضاً وربما كان مغزى العنوان هو تساؤل كبير يطرحه المخرج أمامنا بعد أن رأينا كل هذه الأهوال، وهو: من هو الرجل الذي سيأتي بعد كل هذا ؟ هل سيكون إنساناً أم كياناً فاقد الإنسانية تتنازعه ذكريات وحشية الحرب وأهوالها، ورمز الفيلم إلى ذلك الرجل الذي سيأتي بالطفل الذي نجا بعد المجزرة، فما هي الحياة التي سيراها أمامه حين يكبر عندما يجد نفسه يتيماً بعد أن قتل أبوه وأمه، وليس له في هذه الدنيا إلا أخته الخرساء التي لم تعد تقوى على أي كلام بعد كل ما رأته.

أفكار عديدة ومهمة برزت من خلال الفيلم، ولكني آخذ على المخرج هو أنه تعجل في إنهاء بعض المشاهد التي كان يفترض أن يجعل لها تأثيراً أكبر على خلق مشاعر أقوى عند المشاهدين، بينما كان يتبعها أحياناً بمشاهد مطولة لا تحمل الكثير من المغزى لمجرد أنه أراد أن يجاري النمط البصري الذي يعتمد على قوة الصورة وتعبيرها منذ بداية الفيلم. هذا لم يسئ إلى الفيلم كثيراً، ولكن ما أريد قوله أن المخرج كان بإمكانه أن يجعل آخر نصف ساعة من الفيلم أقصر قليلاً مع التركيز على بعض المشاهد أكثر، ولكن ما يحسب له هو مشهد النهاية الرائع عندما تجلس "مارتينا" على الشجرة حاملة بين ذراعيها أخاها الرضيع على أنغام ترنيمة الحزن والموت والشجن الذي ارتسم على مدار ساعتين من الفيلم.

الواضح أن المخرج حاول التركيز على وحشية الجنود النازيين، بل وأثبت مرة أخرى أنهم لا يمتلكون أية رحمة في قلوبهم، فعندما يشفق الجندي النازي على أخت "مارتينا" الكبرى ويحاول إسعاف جراحها يعود مرة أخرى ليرينا أن هذا ما هو إلا قناع زائف لإنسانية تشوهت، حيث أنه يقوم بقتل طفل صغير لمجرد أن صوت بكائه على أمه القتيلة يسبب له الإزعاج، ليعود بعدها بكل بساطة وكأنه فعل شيئاً بسيطاً لا يستحق الذكر. وهذا يؤكد أن الإيطاليين لم ينسوا ما فعلهم به النازي بعد أكثر من نصف قرن على انتهاء الحرب، لأن الجرح ما زال غائراً، حالهم كحال أي شخص يعاني من همجية ووحشية يفقد فيها أحبابه وكل شيء في حياته.

اختيار الممثلين كان ممتازاً ولا سيما الطفلة "مارتينا" التي جمعت ملامحها بين الرقة والبراءة والحزن، وباقي الممثلين دلت ملامحهم على الطيبة والجهل والبساطة، وكان الأداء الجماعي متقناً ومقنعاً بشكل كبير، وهذا أحد إيجابيات الفيلم العديدة.

أخيراً لا يسعني إلا أن أقول أن هذا هو أحد أفضل الأفلام التي تحدثت عن وحشية الحرب لا من منطلق المشاركين فيها، بل من وجهة نظر الضحايا الذين ذاقوا الويلات دونما أي ذنب اقترفوه، ويبقى هذا العمل السينمائي شاهداً على مدى الوحشية التي يمكن أن يصل إليها الإنسان ليصبح أشبه بمخلوق بري يفترس غيره، ولو كان ذلك بدون أي سبب مقنع.
حقاً إنها الحرب التي يقف العقل البشري أمامها صامتاً وعاجزاً عن فهم ما يدور عندما تفقد الإنسانية وأي شعور بالجمال الكامن في الحياة..

 
تقييمي الشخصي: 9\10

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم