2011/10/12

The Fountain 2006

The Fountain
"ماذا لو استطعت العيش للأبد؟"

لا شك بأن كل من شاهد فيلم "الينبوع" للمخرج الأمريكي "دارين أرونوفسكي" سيحس أن هذا الفيلم غريب على ما اعتاد  هذا الرجل على تقديمه لنا في العادة، حيث أن نوعية الخيال العلمي لم يتم تقديمها بهذه  الطريقة من قبل، ولعل أبرز ما ظهر في الفيلم هي الأفكار الوجودية والفلسفية التي تطرح أمامنا بالجملة دون تقديم أجوبة واضحة لكثير من هذه الأسئلة ولكن طبعاً بطريقة أقل تعقيداً مما قدمه "تيرانس ماليك" لنا في هذا العام في فيلمه الرائع "شجرة الحياة".


قصة الفيلم لا تعتمد على سير أحداث بطريقة منتظمة بل يتم تقديم أكثر من قصة كل منها تحدث في زمن مختلف وظروف مغايرة وتتداخل جميعها لتقديم فكرة من كل قصة، ولكن الهدف واحد في النهاية وهو طرح أفكار وجودية حول الحياة والموت، والفناء والخلود، والحب إلى الأبد. ولكن الفيلم كما قلت سابقاً اهتم بطرح كثير من الأسئلة دون أن يجيب عليها بالكامل وإن كان هناك وجود واضح لتلميحات توضح وجهة نظر "أرونوفسكي" في الموضوع ولكنها جاءت بطريقة رمزية وغير واضحة وتحتمل عدة تفسيرات متناقضة.



القصة الأساسية في الفيلم حول رجل يحاول إجراء التجارب مع الفريق العلمي المساعد له للحصول على شفاء لمرض السرطان الذي أصيبت به زوجته الحبيبة مما قد يودي بحياتها، وهذا ما يجعله في سعي مستميت لإيجاد الدواء الناجح لمساعدتها. ويتم مزج هذه القصة ببعض اللمحات العاطفية مع طرح أسئلة عميقة حول الحب بين الزوج وزوجته، ونظرة الزوجة "إيز" إلى الموت الذي ينتظرها بطريقة مختلفة عن باقي الناس. وهذا يجعلها تصنع كتاباً وضعت فيه الكثير من أفكارها  عن طريق قصة من تأليفها ومن هنا تتفرع القصة الأساسية إلى المحور الثاني. وتقع هذه القصة الأخرى في إسبانيا القديمة قبل عدة قرون عندما تواجه بقيادة ملكتها القوية هجوماً شرساً لتقويض دعائم حكمها والسيطرة على البلاد يحكم طاغية مستبد. وضمن هذا لمح "أرونوفسكي" إلى قيم كبيرة مثل حب الوطن، والوفاء للملكة والاستعداد للتضحية بكل شيء بما في ذلك الحياة الغالية في سبيل ردع الظالمين عن البلاد، برزت أولى التلميحات لشجرة الحياة التي تعطي الخلود الأبدي.



أما القصة الثالثة فهي تحكي عن محارب قوي مع جنوده الشجعان عندما يقعون في قبضة محاربي شعب المايا القديم الذين يتبعون الخرافات والأساطير ولديهم الكثير من القصص والمعتقدات التي تتعلق بالحياة والموت وأصل الوجود ونهاية الإنسان، ولكن كل هذا طبعاً يملك صفة الأساطير التي لا يمكن أن يصدقها العقل، ولكن تم الاستفادة منها لإعطاء وجهة نظر إضافية حول المواضيع الشائكة التي يقدمه الفيلم. والظاهر في كل هذه القصص هو الابتعاد بشكل كامل عن النظرة الدينية وإنكار وجود قوة الله تعالى بشكل واضح !



وأخيراً هناك قصة رابعة وبالأحرى لا يمكن اعتبارها قصة حقيقية بل إنها مجموعة من المشاهد التعبيرية التي تصور الحب بين الإنسان والحياة المتمثلة في شجرة الحياة العظيمة، وهذه الشجرة آتية من معتقدات يؤمن بها الكثير من البشر ويعتبرون أن هذه الشجرة ترمز إلى الحياة الأبدية وهي تمنح الإنسان قوته وخلوده. وهذه القصة بالذات تحوي أقوى المشاهد من الناحية الفلسفية ويعزز ذلك الطريقة البصرية المذهلة التي تم تقديمها في هذه القصة بواسطة المؤثرات الضخمة. وتتجلى فيها الرموز بشكل واضح جداً للتعبير عن كل الأفكار التي حاول الفيلم طرحها بما في ذلك الحياة والموت، والفناء والخلود والحب. ولكن الفكرة الأقوى التي ظهرت في النهاية هي وجهة نظر "أرونوفسكي" الضبابية حيث قدم طريقتين متعاكستين تماماً لموضوع الموت أولهما أن الإنسان أصبح هو والشجرة جزءاً واحداً بانماجه النهائي بها لتكتمل حياتهما معاً إلى الأبد. بينما صور نهاية مختلفة وهي موت الشجرة وانفصال الإنسان عنها مما يؤدي إلى موته وفنائه في آخر مشهد في الفيلم. والخيار لكل مشاهد هو انتقاء الفكرة التي تناسب معتقداته الفكرية والوجودية.



الإخراج كما هو متوقع رائع ومتفوق في الكثير من النواحي حيث استطاع "أرونوفسكي" طرح رؤيته الوجودية الخاصة وباستخدام طابعه البصري المميز ليحكي لنا قصصاً معبرة، ولكن العلة الأساسية أنه لم يقدم شيئاً مفيداً للإجابة عن تساؤلاته التي ألقاها أمامنا بالجملة. ولكن أكثر ما أسهم في تدعيم رواية القصة هو الموسيقى المذهلة التي ألفها "كلينت مانسيل" لتعطي مشاهد الفيلم الكثير من القوة الدرامية والعاطفية، وميزت الكثير من المشاهد الفلسفية والوجودية التي يعج بها الفيلم.



يبقى فيلم "الينبوع" تجربة جيدة برأيي الشخصي وهو يستحق المشاهدة لأنه يقدم العديد من التساؤلات الكبيرة التي لم يتمكن هو نفسه من الإجابة عنها أو تفسيرها بشكل واضح، ويترك كل ذلك للمشاهد ليعطيها تفسيراً بحسب معتقداته وفكره، ولحسن الحظ أننا كمسلمين نملك الكثير من الإجابات التي حيرت العديدين وكانت المحور الرئيسي للفيلم. وهناك نقطة مهمة أن أداء "هيو جاكمان" كان يستحق ترشيحاً أوسكارياً على الأقل ولا أعرف بصراحة السبب الذي كان وراء تجاهل أدائه الكبير في الفيلم.



8/10




4 التعليقات:

Mohcine Saifeddine يقول...

كما تفضلت يا عمار
الفيلم ترك المشاهد في حيرة من امره
اذا كان العلاج أصلا يقتل فاماذا البحث عنه ؟
العمل ترك تساؤلات كثيرة للغاية دون الاجبة عنها و لو بشكل جزئي
بكل امانة لم يعجبني العمل بتاتا

ATarakji يقول...

بكل بساطة الإنسان عاجز عن إيجاد علاج لموته وفنائه.
ولكن مجرد المحاولة والبحث هو أمر يغري الإنسان منذ بداية التاريخ.

أسعدني مرورك أخي محسن..

Lunatic Thought يقول...

بنظري هالفيلم تحفه فنيه ومن افضل الافلام بالتاريخ ومن شدة تعلقي بالفيلم شاهدته اكثر من مره وسبق ان كتبت موضوع عن بداية الفكرة وطريقة تفكير ارنوفسكي قبل اخراج الفيلم واختياره للممثلين وصراعه حول الميزانيه وامكانيه تحويل السيناريو الى قصة مصور اذا لم يخرجه كـ فيلم..

هذا رابط موضوعي اتمنى نشوف رأيك لااكثر ولا اقل ولا اضع الرابط لنشر الموضوع او غيره واتمنى ماتفهم غلط..

http://filmmakerq8.blogspot.com/2012/06/fountain-2006.html

ATarakji يقول...

شخصياً أحب الأفلام التي تطرح أسئلة عميقة، وفي هذا الفيلم بالذات كان هناك مزيج رائع من الأفكار المهمة والقالب البصري الغني والمبهر.

شاهدته مرتين، ومستعد لمشاهدته أكثر من ذلك، لأنه ممتع ومهم جداً..

همسة صغيرة: (خذ راحتك بوضع روابط مدونتك وليس عندي أي مانع بذلك، بالعكس هذا يسرني كثيراً، ويمنحني فرصة لتوسيع أفكاري والاطلاع على رأيك بالفيلم)

تسلم على الزيارة الكريمة أخي الغالي :)

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم