2012/06/17

City of God 2002



City of God
"إذا ركضت فسوف يلحقونك، وإذا بقيت فسوف يأكلونك"

بين عامي 1960- 1970 جرت العديد من الأحداث في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية التي أوحت إلى أحد الكتاب من سكان هذه المدينة نفسها وهو Paulo Lins أن يعيد صياغة ما جرى على شكل رواية، فكان ما كتبه شيئاً صادماً بقوة، أولاً بسبب الواقعية الشديدة التي طغت على الرواية، وثانياً بسبب المقدار الكبير من العنف الذي صورته الرواية، واقتبسته بكل دقة لتري القراء جانباً آخر من العالم الذي نعيش فيه لم نكن نتخيل وجوده قط. وبسبب قوة الرواية وشهرتها كان لا بد من تحويلها إلى فيلم سينمائي يليق بها ويستطيع أن يطرح أفكارها بدقة، فخرجت لدينا هذه التحفة البرازيلية العتيدة، والتي لولا الترشيح للأوسكار، وعرض الفيلم في مهرجان "كان" السينمائي لكان الكثيرون من عشاق الفن السابع حرموا من متابعة هذا العمل الفذ.





يصور الفيلم حياة الفقر والتشرد في أحياء المدينة البرازيلية، ويعرض مشاهد صارخة للعنف المستشري بين الناس، وانتشار المخدرات والعصابات والجرائم، وكل ما يمكن تخيله من مفاسد المجتمعات وما يتجه بها نحو الانحطاط، ويعود جزء كبير من الفضل في قوة طرح هذه الصور إلى الإخراج الرائع والواقعي من قبل المخرج Fernando Meirelles الذي استطاع التنقل بين المشاهد بخفة مستخدما المونتاج الدينامكي السريع، والتصوير بواسطة الكاميرا المحمولة، مما يسمح للمصور بالتحرك برشاقة أكبر وتصوير الكثير خلال لقطات سريعة تجسد واقعية كبيرة للفيلم، وتعطيه رونقاً قلما نجد مثيله.


وعلى الرغم من كل هذه الأجواء الكئيبة فإن الناس في الفيلم يبدون مستمتعين بحياتهم، فهم يحبون الموسيقا والإثارة وطبعاً كرة القدم التي تعتبر من المعالم البارزة في البرازيل، وفي غياب سطوة القانون الفعلية يجب على جميع الأشخاص أن ينتموا لأحد العصابات الكبيرة في المدينة، وكل عصابة تمتاز عن الأخرى بموارد مختلفة لكسب رزقهم، ولكل منها سيطرة ومنطقة نفوذ، إلا أن ما يجمع بين كل الناس هو العنف الشديد الذي يطغى على كل معالم الحياة، فلا يأمن أحد على نفسه من رصاصة طائشة أو مطاردة رعناء من الشرطة أو أحد العصابات، فتكون النتيجة الحتمية هي الموت بأقسى الطرق.


ومن نقاط قوة الفيلم أيضاً أننا نتابع تطور الأحداث على مدى سنوات عديدة عندما يأخذنا المدعو "روكيت" عبر صباه إلى مراهقته ونهاية بفترة شبابه، ويعرض الفيلم لنا كل ما يجري خلال هذه الفترة من مجريات غير متوقعة بطريقة روائية يعلق فيها "روكيت" نفسه على ما يحدث بين الفينة والأخرى وهذا يعطي المشاهد فكرة أعمق عن الأحداث ويخلق رابطة تربط بين جو الفيلم العنيف وبين المتفرج العادي الذي يحتاج إلى أحد يتعاطف معه ويتابعه وسط كل هذه الفوضى والجرائم.


ومن خلال التعرض لفكرة الجريمة نرى أن ما يفعله أغلب الأشخاص في الفيلم ليس نابعاً من منطلق أنهم مجرمون بالفطرة أو أنهم يميلون إلى العنف أصلاً ولكن بسبب أن الانتماء إلى العصابات الإجرامية هو الطريقة الأفضل لكسب المال والعيش، والأهم من كل ذلك البقاء على قيد الحياة، وهذا يطرح تساؤلاً في العقل حول الأسباب التي تؤدي بمجتمع إنساني إلى الوصول إلى هذا النمط من الحياة. والجواب على ذلك يتجلى في الفقر الشديد الذي ينتشر بين كل سكان المدينة، وغياب سطوة القانون التي تردع المجرمين عن أفعالهم.


وتنتقل بنا كاميرا الفيلم بسلاسة بين المشاهد الخارجية التي تظهر المدينة الحارة، والتي يغطي التراب شوارعها وتنعكس فيها أشعة الشمس لتعطي شعوراً بالتوهج والإثارة، ثم نعود إلى المشاهد التي تجري داخل أحد أوكار العصابات لنرى الأجواء الكئيبة، والأضواء الخافتة والقلق الذي يطغى على حياة الأغلبية ليبرز تناقضاً بين ما وهبه الله للناس في هذه المدينة من جمال وبين ما اختاروه لأنفسهم من جريمة وانحطاط.


الفيلم غني بالتفاصيل والأحداث السريعة المثيرة، فنتابع تارة إحدى السرقات التي تقوم بها العصابات، والمواجهات الشرسة على مناطق النفوذ والتي يدار الكلام فيها بالمسدسات والبنادق التي يكون لها الكلمة الفصل في تحديد العصابة التي تمتلك السطوة في أحد الأجزاء من المدينة، ولا يسلم من كل هذا أحد، وحتى الأطفال الصغار قد اشتركوا في كل هذا ليحسوا بأنهم قد أصبحوا كباراً ويشبعوا شعورهم بالقوة والسيطرة، بينما هم للأسف فقدوا كل ما يمكن السيطرة عليه لبناء الحياة السليمة.


وعلى الرغم من كل هذا العنف الذي يصوره الفيلم إلا أننا لا نشاهد الكثير من الدماء بل نحس بكل ما يجري ضمنياً، وهذا ما يجعل الفيلم أقل تصويراً للعنف من هذه الناحية من أفلام أخرى مثل "عصابات نيويورك" الشهير لمخرجه مارتن سكورسيزي الذي يصور بطريقة مشابهة جداً مدينة تنتشر فيها الجريمة في ظل سيطرة زعماء العصابات ذات النفوذ ويكون المواطنون العاديون في المدينة أعضاء في عصابات لحماية مصالحهم وأعناقهم، وقام هذا الفيلم الأخير بتصوير العديد من المشاهد الدموية العنيفة التي تفوق الوصف. ولكن يبقى فيلم "مدينة الرب" في النهاية مليئاً بالمشاهد الصادمة والتجسيد العميق لثيمات العنف والإجرام أيضاً.


في النهاية لا يمكن القول إلا أن الفيلم تحفة بكل ما للكلمة من معنى، فهو طرح الكثير من المشاهد والأفكار المتميزة بكل قوة وواقعية، وكل هذا بطريقة روائية متقنة تفلح في جذب انتباه المتفرجين. ولكن هذا الفيلم ليس مناسباً للجميع لأنه يصور الواقع دون تجميل أو تحسين كما يحدث في هوليوود عادة، بل ويرينا ما يحدث بالعين المجردة لنحكم بأنفسنا على ما يجري، ونطرح في عقلنا تساؤلاً عميقاً هو: لماذا يجري كل هذا؟! وهل هذا معقول؟!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم