2012/12/22

Life of Pi 2012



Life of Pi

"تصديق المستحيل ليس مستحيلاً"


يعود إلينا المخرج التايواني “أنغ لي” بعد غياب استمر ثلاثة أعوام قضاها في إنجاز فيلم Life of Pi، ويبدو أنه كان يعمل بجد طوال هذه السنوات ليخرج لنا فيلماً فنياً بالدرجة الأولى يروي قصة مقتبسة عن إحدى الروايات المشهورة التي نالت ثناء نقدياً واسعاً، وإقبالاً من جماهير القراء. ولكن المشكلة كانت في أن الكثيرين اعتبروا أن عملية تحويل هذه الرواية إلى فيلم سينمائي مستحيلة تماماً فالأجواء العامة للرواية ساحرة خيالية تصعب محاكاتها، كما أن الرواية تمتلئ بأفكار كبيرة من الصعب اقتباسها بمصداقية وطرحها ضمن قالب سينمائي ممتع. ولكن “آنغ لي” كسب الرهان هذه المرة وعاد بواحد من أفضل الاقتباسات لهذا العام.

ينقسم الفيلم – كما هو حال الرواية – إلى ثلاثة أقسام، أولها تعريف عن حياة بطل قصتنا واسمه “باي باتل” الفتى الهندي الأسمر الذي يعيش مع عائلته الصغيرة المكونة من أخ أكبر وأبوين، ويمتلكون مزرعة حيوانات في مدينة “بونديتشري”. وكما تفرض الأجواء الهندية الساحرة نرى تعدد الثقافات والديانات الواسع التي تتجلى بمظاهر وطقوس وأعراف شديدة التنوع والثراء. وهنا تبدأ الأسئلة الكبرى تدور في عقل الفتى “باي” الذي يرى حوله الناس تفرقهم ملايين الآلهة التي يعبدونها، وحتى أبواه اللذان يدينان بالهندوسية لا يؤمنان بشيء محدد. وهذا ما يدفعه إلى محاولة اكتشاف الأديان والبحث عن حقيقة الله، و يجعله يخوض بعض التجارب الدينية التي ستكون أساساً لما سيواجهه من مغامرات في المستقبل.

ذلك اليوم المشؤوم يأتي فجأة عندما يضطر “باي” إلى السفر مع عائلته إلى كندا في سفينة تحمل على متنها حيوانات حديقتهم، وكل ما كانوا يمتلكونه في الهند. “باي” ترك وراءه كل ذكرياته ومغامرات حبه الأول الذي اكتشفه مصادفة، ولم تكن أمامه الفرصة لنيل المزيد منه عندما وجد نفسه مجبراً على الرحيل مع وعد بالعودة ربما لن يتحقق يوماً.


السفينة تجري بهدوء وهي تتجه نحو كندا – أرض الأحلام – التي تحمل لـ “باي” وعائلته أملاً بحياة جديدة. ولكنها لا تلبث أن تواجه عاصفة شديدة تؤدي إلى غرقها مع كل من كان على متنها عدا “باي” وبعض الحيوانات التي فرت معه بحياتها على متن قارب النجاة الصغير. وهنا يبدأ القسم الثاني من القصة لنرى محاولة “باي” النجاة في عرض المحيط هو والنمر البنغالي “ريتشارد باركر” الذي كان يمثل صديقه الوحيد خلال 227 يوماً واجه فيها جميع الصعوبات والأهوال. ولم يكن يؤنس وحدته سوى صديقه المتوحش الذي استطاع بمجهود كبير أن يروضه ويتآلف معه للحياة سوياً في القارب.


مخاطر كبيرة واجهها “باي” انتهت أخيراً بعاصفة هائلة أعادته إلى الله مرة ثانية، وهنا يتساءل لماذا يعاقبه الله بهذه الطريقة بعد أن سلبه عائلته وكل ما يملك؟ لماذا يعذبه بهذا الغضب الشديد؟ ما الذي فعله ليستحق هذا؟ لتنطلق هذه الأسئلة بعفويتها وصدقها وتصبغ الفيلم بلمسة إيمانية رائعة تكلل هذه الرحلة العظيمة.


القسم الثالث يحكيه “باي” بنفسه ليطرح قصة بديلة لما رأيناه طوال الفيلم. قصة تقوم على تفاصيل منطقية يصدقها العقل البشري وينحو بها بعيداً عن العوالم الساحرة والأحداث الخيالية التي لا تقنع العقل بمقاييس الحياة المادية. ثم يترك “باي” لك اختيار القصة التي تناسبك. وهنا يجب أن أعترف أن هذا القسم الأخير كان مخيباً قليلاً للآمال بروايته البطيئة للأحداث، ولكن لا ألوم المخرج “آنغ لي” كثيراً لأنه كان مجبراً على طرح النهاية بهذا الشكل ليكون وفياً للرواية التي اقتبس منها فيلمه. ولا أرى أن هذا أنقص من قيمة الفيلم شيئاً بل على العكس أعطاه بعداً جديداً يفسح المجال للتفكير.


“آنغ لي” أبدع في عدة نقاط في الفيلم أبرزها اعتماده على المؤثرات البصرية المذهلة التي تم استخدامها بشكل مبهر ولكن بمنطقية ودون مبالغة وكان “آنغ لي” يعطي بالمؤثرات البصرية مزيداً من العمق لفيلمه الذي يتطلب أجواءً خاصة حتى يلامس ما يريد قوله للمشاهدين. كما أحب أن أثني على الاقتباس الدقيق والذي تجلى في نص تمكن من مزج المتعة العالية والمغامرة الشيقة مع أفكار عظيمة قدمها بشكل وفي لروح الرواية الأصلية. وأخيراً يبقى الممثل الهندي الشاب الذي قام بدور “باي” في الفيلم فقد قدم كل ما عليه وكان حضوره جيداً وأداؤه مقنعاً بشكل كبير.


أخيراً يمكن القول إن “آنغ لي” كان جريئاً في اقتباس هذا الفيلم، ولحسن الحظ أنه أصاب أهدافه بدقة وعمق فمنحنا قصة ممتعة معبرة مليئة باللحظات الإنسانية الحميمة. وفي النهاية ترك لكل مشاهد اختيار ما يريد تصديقه. وإن كنت أشك أن أي شخص – مهما كان – سيلبي نداء العقل هذه المرة، بل سيختار تلك القصة الساحرة الرائعة التي تفيض بالإيمان والحب. ذلك الحب الإلهي الذي يمكن أن يغير حياة الإنسان ليملأها بالجمال، ويعطي دفئاً في القلب يستمر، ويدوم.



تقييمي الشخصي: 9\10

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Alexa

زوارنا اليوم